اضطراب الهوية الجنسية، والذي يُعرف حديثًا في التصنيفات الطبية باسم “اضطراب الهوية الجندرية” أو “اضطراب الهوية النوعية”، هو حالة نفسية يعاني فيها الشخص من عدم تطابق بين جنسه البيولوجي عند الولادة والهوية الجندرية التي يشعر بها أو يعبّر عنها. بمعنى آخر، يشعر الشخص أن جنسه الفعلي لا يعكس حقيقته النفسية والجنسية الداخلية.
ما المقصود بالهوية الجندرية؟

الهوية الجندرية، هي شعور الفرد الداخلي بأنه ذكر أو أنثى أو مزيج من الاثنين أو لا شيء منهما. هذا الشعور لا يرتبط دائمًا بالخصائص الجسدية أو الجنس المحدد عند الولادة. فبعض الأفراد الذين وُلدوا بأجساد ذكورية قد يشعرون بأنهم إناث، والعكس صحيح.
أعراض اضطراب الهوية الجنسية
تبدأ علامات اضطراب الهوية الجندرية، عادة في الطفولة المبكرة، وقد تستمر أو تظهر في مرحلة المراهقة أو حتى في سن الرشد. تشمل الأعراض الشائعة:
- رغبة قوية في أن يكون الفرد من الجنس الآخر.
- عدم الراحة الشديدة من الجنس البيولوجي، أو الإحساس بالانفصال عنه.
- تفضيل مستمر لأدوار وسلوكيات وملابس الجنس الآخر.
- شعور دائم بالضيق أو الكآبة نتيجة عدم التوافق بين الهوية الجندرية والجسم.
- الرغبة في تغيير الجسد بما يتماشى مع الهوية الجندرية (مثل العلاج الهرموني أو العمليات الجراحية).
في بعض الحالات، يمكن أن يصاحب اضطراب الهوية الجنسية حالات مثل الاكتئاب، القلق، واضطرابات سلوكية نتيجة الصراع الداخلي أو الرفض المجتمعي.
الأسباب المحتملة لاضطراب الهوية الجنسية
لا يوجد سبب واحد معروف لاضطراب الهوية الجندرية، لكن يُعتقد أن هناك مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تلعب دورًا، ومنها:
- عوامل وراثية وهرمونية: مثل تأثير الهرمونات خلال الحمل على تطور دماغ الجنين.
- العوامل النفسية والتربوية: كالعلاقات المبكرة مع الأبوين أو التعرض لظروف بيئية معينة.
- العوامل الاجتماعية والثقافية: مثل التنشئة، والتوقعات المجتمعية، والضغط الاجتماعي.
1- العوامل الوراثية:
قد يُسهم الفهم البيولوجي والمكون الجيني لاضطراب الهوية الجندرية، في تعزيز قبول هذا الاضطراب على المستويات الاجتماعية والطبية وغيرها.
ورغم وجود عدة افتراضات نظرية، إلا أن هذا الجانب لا يزال غير مفهوم بشكل كامل. ففي سبعينيات القرن الماضي، افترض البعض أن اضطراب الهوية هو اضطراب بيئي مكتسب بالكامل، وتم استخدام أساليب علاجية قائمة على تغيير السلوك والنفور لتقليل الصفات الأنثوية لدى الأولاد الصغار.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن العديد من الجينات قد تلعب دورًا في تكوين الهوية الجندرية، باعتبارها سمة وراثية متعددة العوامل ومعقدة. ومع ذلك، فإن وجود هذه الجينات لا يعني بالضرورة تحديد هذه السمات المعقدة بشكل قطعي. ويُعتقد اليوم أن الهوية الجندرية لا تندرج تحت تصنيف ثنائي صارم (ذكر/أنثى)، بل تقع ضمن طيف واسع يشمل “الهوية الجنسية المتوافقة مع الجنس البيولوجي” (cis-gender) و”الهوية الجنسية غير المتوافقة” (transgender).
وقد أظهرت دراسات وراثية، أُجريت على العائلات والتوائم أدلة على وراثة اضطراب الهوية الجنسية بشكل متعدد الجينات. أما الدراسات الجزيئية الجينية، فلم تقدم حتى الآن دليلاً قاطعًا يربط اضطراب الهوية الجنسية بجين معين.
كما يمكن أن يظهر اضطراب الهوية الجندرية، في حالات طبية مثل تضخم الغدة الكظرية الخلقي أو متلازمة عدم الحساسية الجزئية للأندروجين، وقد أشار الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5) إلى ذلك كأحد المحددات المحتملة للتشخيص.
2-العوامل النفسية والاجتماعية
قد يتأثر تطور الهوية الجندرية بما يتوافق مع الجنس البيولوجي المُحدد في الطفولة بالتفاعل بين مزاج الطفل وخصائص الأبوين وطبيعة العلاقة الديناميكية بينهما. لا يُتوقَّع من الأولاد الصغار إظهار صفات أنثوية، كما يُتوقع من الفتيات أن يتحلين بالرعاية والدفء والحساسية؛ وهي سلوكيات تتماشى مع المعايير الثقافية السائدة.
غالبًا ما يبدأ الأطفال في تحديد هويتهم الجندرية ما بين سن الثالثة والخامسة، رغم إمكانية وجود تفاوتات فردية. ويتم دراسة الأنشطة العابرة للجندر بعناية لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب الهوية الجنسية، وقد أصبحت هذه الأنشطة تتعارض بشكل متزايد مع المعايير الجندرية التقليدية خلال العقود الأخيرة.
وقد أشار عالم التحليل النفسي الشهير سيغموند فرويد إلى أن اضطراب الهوية الجنسية ،لدى الأطفال قد ينشأ نتيجة صراعات مثلث أوديب (العلاقة النفسية المعقدة بين الطفل ووالديه).
كيف يتم التشخيص؟
يتم تشخيص اضطراب الهوية الجندرية من قبل مختصين في الصحة النفسية، بناءً على مقابلات سريرية دقيقة وتحليل للتاريخ الشخصي والسلوكي للفرد. يجب أن تكون الأعراض مستمرة لأكثر من 6 أشهر وتسبب ضيقًا أو ضعفًا في الأداء اليومي.
كيف يمكن التنبؤ باضطراب الشخصية الجنسية؟
يتم التنبؤ بالإصابة باضطراب الهوية الجنسية من خلال الفحص البدني..
يجب إجراء فحص دقيق للأعضاء التناسلية عند الولادة. فقد يعاني الأطفال الذين وُلدوا مصابين بتضخم الغدة الكظرية الخلقي، أو متلازمة عدم الحساسية للأندروجين من تشوهات في الأعضاء التناسلية.
كما قد تظهر بعض علامات مثل:
- تضخم الغدة الكظرية الخلقي مع علامات مبكرة للجفاف.
- انخفاض مستوى الصوديوم في الدم (نقص صوديوم الدم).
- ارتفاع مستوى البوتاسيوم في الدم (فرط بوتاسيوم الدم).
- في النوع المتأخر الظهور، قد تظهر علامات مبكرة للذكورة واضطرابات في الدورة الشهرية لدى الفتيات الصغيرات.
- أما الأشخاص المصابون بالنوع التقليدي الذي يفقد فيه الجسم الملح، فهم أكثر مرضًا ويحتاجون إلى علاج فوري.
- أما متلازمة عدم الحساسية للأندروجين، فهي حالة يكون فيها الذكور الوراثيون غير حساسين للأندروجينات في الجسم. وغالبًا ما يُربّون كإناث. وقد يحتاجون إلى علاجات هرمونية وجراحية في مرحلة البلوغ المبكر / المراهقة.
علاج اضطراب الهوية الجنسية
يهدف علاج اضطراب الهوية الجنسية، إلى التخفيف من الضيق وتحقيق التوافق بين الهوية الجندرية والجسم أو الحياة الاجتماعية. ويشمل:
- العلاج النفسي: لمساعدة الشخص على فهم مشاعره والتعامل مع التوتر أو الاكتئاب.
- العلاج الهرموني: لتغيير الخصائص الجسدية بما يتناسب مع الهوية الجندرية.
- العمليات الجراحية: مثل جراحة تغيير الجنس، في حال رغبة الشخص بذلك.
- الدعم الأسري والاجتماعي: وهو من العوامل الأساسية في تحقيق الاستقرار النفسي.
كلمة من دار إشراق..
اضطراب الهوية الجنسية هو حالة معقدة تتطلب تفهمًا ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا. من الضروري التعامل معها بحساسية بعيدًا عن الأحكام المسبقة، ومساعدة الأفراد المصابين بها على العيش بسلام مع أنفسهم وتحقيق التوازن النفسي والجسدي الذي يحتاجونه.
المصادر
- ncbi.nlm.nih.gov: Gender Dysphoria
